عطش وسراب
ماذا كان يقول ذلك الحكواتي
أتحدث عن حياته أم عن حياتي
أم عن شىء كان ولم يكن
فحكاياته تشابهت بحكاياتي
فأنا الجميل وأنا القبيح بكل حكاية
ووجودي يسكر في حانة مماتي
مع عطشى يشربون من سراب
***
ومن أمر بإسكات ذلك العصفور
أصياد أحمق يتمتع بقتل الشعور
أم عاصفة هوجاء المسير
أطاحت باللباب وأبقت على القشور
ففي القفص آثار دموع
وريشة صغيرة من جناح مكسور
مع عطشى يشربون من سراب
***
فالقائد الذي فرح بالحرب
حزن إبنه في الدرب
وسأل عن سبب فرح أبيه
وهو يرتعش من الرعب
وأمه تزيد خوفه بأجوبتها
ويتوه فكره بين نبضات القلب
مع عطشى يشربون من سراب
***
فلماذا.. لماذا كان الناس مبتهجين
في عرس القتلة والجثامين
ففي البيوت جدل وفي الشارع سباق
بين متعبين ومتعبين
نحو شىء غير موجود
إلا في خيال وكتب الجالسين
مع عطشى يشربون من سراب
***
فتمهل أيها الراوي.. تمهل بالكلام
وتجنب أيها الراقص رقصة الحسام
فمفسر الأحلام عجوزأعمى
يفسر الصفاء بالقتام
وفي الليل صوت إبتهال
لمصلٍ يسأل النور مباركة الظلام
مع عطشى يشربون من سراب
***
فعد أيها الساقي.. عد ياصاح بالماء
فالكل يشكو من قسوة الرمضاء
والحبيب الذي وعد حبيبته بخاتم
ليقدمه لها قبل قدوم المساء
لم يبق منه إلا صورة يبتسم بها
لحبيبة تبكي بدمعة خرساء
مع عطشى يشربون من سراب
شىء بلا شىء
إنتهت المسرحية وإنصرف الممثلون
فإلى أي شىء ظل الرواد ينظرون
بعد أن أسدلت الستارة وإنطفأت الأنوار
وشربت الحكمة من كأس الجنون
خمرة الضحك والبكاء
وهي تسمع أغنية غنتها السنون
بسلام بلا سلام
***
هذا ماسأله مخرج المسرحية بخجل
فأجابته عجوز بصوتها رنين الأزل
كنا متأملين والأمل إبن الوهم
أن يتحقق بمسرحيتك بعض الأمل
لذا نحن منتظرون يامخرجي
كي نرى يد بطل
بحسام بلا حسام
***
فالمغني الذي غنى لرئيس الجمهورية
ونال على غنائه كأساً ذهبية
ذم ماكان يمدح بالماضي
حين تغير الرئيس وتبدلت شعارات القضية
فإختلط الحزن بالفرح
بأصوات ووجوه الرعية
بأنغام بلا أنغام
***
وحين هجمت على الأبناء جيوش الغضب
وتحدث الآباء عن ضعف دين وقلة أدب
نام الجميع على وسائد الشك
بتاريخ وأحاديث العرب
وبطباخ يخلط السم بسكر
ويقدمه لكل من يشعر بسغب
بأيام بلا أيام
***
فضاع الشعور في عدة مواقف
بكل موقف شجاع يتكىء على خائف
وذكي يبني مع غبي جدار الزمن
بحجر قوي وحجر زائف
والناس منشغلون بالرهان
على سباق الأرانب والسلاحف
بأحلام بلا أحلام
***
والجندي المجهول متعب من المعاركْ
في قلبه خوف يامخرجي من غباء المسالك
والنشيد الذي تعلمه ضاع منه
في طريق طويلة وليل حالك
وصوت أجداده يصرخ: متنا بعتمة
فحذار من الموت كذلك
بظلام بلا ظلام
وصية أب
لم يكن أحد في الشارع
غير طفل واقف أمام بائع
وسائق ينتظر فتح إشارة المرور
وهو يدندن نغمات لحن شائع
وعجوز تحكي بضيق لعجوزأخرى
عن وقت صعب وجيل ضائع
وعمر مثل الدخان
***
فلماذا هيمن الخوف في الطريق
أمن وجود عدو أم وجود صديق
أم لأن المحبة كانت مدفونة
في مقبرة الإدعاء وعدم التطبيق
فبين النخاسين جدل وشجار
حول أسعارالعبيد والرقيق
في هذا الزمان
***
فالفتاة التي كانت تحلم بلقاء أمير
يأتي على حصان أبيض صغير
كبرت على أطراف الحزن
وإختبأ حلمها بستارة المصير
وكلما مر طيف أمام بيتها
تحكي له عن قلب أسير
تعب من السجان
***
فمن رمى الحرية في سلة المهملات
وسرق من القلوب روح النبضات
فقيثارة العشاق مقطعة الأوتار
وعيون الصبايا حزينة النظرات
وفي برميل القمامة طفل يبكي
لأم خافت من الإتهامات
وأحجار بأيدي الفتيان
***
وعلى ثياب الناس آثار دماء
وفي حناجرهم بحة بكاء
من مسلحين يرفضون من لم يكن على دينهم
ويحللون كره وقتل الأبرياء
فمن ذلك الذي أمرهم بالقتل
وبخطف وإغتصاب النساء
من غير أديان
***
فرسام الصور يروي لألوان الخيال
عن عروس بمنتهى الرقة والجمال
رسمها وهي تبكي بحرقة
وتصلي لأجل حبيب مات بشريعة الإغتيال
وتتأسف لجهلاء يعيشون خارج بيت الحكمة
يؤمنون بأن الغدر فعل الأبطال
والحقد غاية الإيمان
***
فنور الصباح إنطفأ على وجه قتيل ودم جريح
وتسابقت صرخات الوجع مع جنون الريح
بصوت من لفظ آخر أنفاسه
متجنباً التلفظ بحرف قبيح
وأب يوصي أبنه قبيل الموت
بأن يدافع بالسلاح الصحيح
ويرتل ترتيلة الأمان
جناح من ورق
طرتُ ياجدي فوق الجبال
ومشيتُ حافياً فوق الغيوم
فسمعتُ في الأرض أصوات قتال
ورأيتُ الأفكار تنتحر بجهل العلوم
فكان الآباء يقدمون للأطفال
فطائر سكر ممزوجة بسموم
بجناح من ورق
***
فالأغنية التي غنتها أمي
إنتهت بنهاية الأشواق
والمدرسة التي تعلم فيها أبي وعمي
إحترقت بنار ملاق
وُهدم بيت تعلمتُ فيه نطق إسمي
وسمعتُ حكايا ت العشاق
بجناح من ورق
***
فمن ذلك الذي ينعي الحب أمام الناس
ويتكلم بحزن عن رحيل حبيب
وهويصفع بلا إحساس
خد طفل يبيع بطاقات اليانصيب
بين صحوة اللصوص وغفوة الحراس
وهواة تصديق الأكاذيب
بجناح من ورق
***
ومن أين تاتي أصوات الأنين
أمن قريب أم من بعيد
وكيف كسد بيع الحنين
وُقتل شجاع بسيف رعديد
فالغضب يطوف بين الجثامين
والصياد يفخر بإسكات التغريد
بجناح من ورق
***
ومؤرخ القبيلة يكتب بإستياء
قصة قبطان يتعارك مع الرياح
وجرحى يطلبون من رب السماء
رحمة تخفف عنهم أوجاع الجراح
وسكارى يتجادلون بلغة الأقداح
في حانة بُنيت فوق الرماح
بجناح من ورق
***
فإسكافي الحي منهمك بتصليح الأحذية
وإبنته الجميلة تحلم بلقاء أمير
يكتب معها كلمات أغنية
تمحو بها ذكريات وقت مرير
ليحكي الشعراء عنها في كل أمسية
كيف إستطاعت أن تطير
بجناح من ورق
بدون
تعبتُ ياأمي من تغريب ومن تشريق
والتعب يسرق جمال الطريق
وعلى ساعدي آثار دم
بعضها من جرحي وبعضها من جرح صديق
فأبي أوصاني قبيل موته
بمد يدي لكل غريق
!غرق بماء وبدون ماء
***
وبخيالي صورة لا تتغير لوجهكِ
ومشطكِ يسّرح شعري وأنا بحضنكِ
وعلى لساني كلام كثير
أريد.. أريد أن أقوله لكِ
مهما تقدم بي العمر ياأمي
سأظل دائماً طفلكِ
!أسمعكِ تغنين بدون غناء
***
وكلما ُجرح السكون بدوي إنفجار
ألبس عباءة الليل هرباً من النهار
فأسمع ولا أسمع ياأمي
صراخات وضربات العار
فأتجادل وأتعارك مع نفسي
والنور يرقص مع النار
!وأبكي وحيداً بدون بكاء
***
فشرطي حارتنا يتعارك مع زحمة العربات
بصفارته آهات مثل الدمعات
كلما رأيته أسأله عن عربة المحبة
فيقول: سمعتُ عنها بالحكايات
حين كان جدي حياً
والأولاد يلتقوا بالطرقات
!فيلعبوا ويذهبوا بدون دماء
***
وهناك بيت كبير لمعلم قديم
كثير الكلام عن تاريخ عظيم
كلما رأيته أسأله عن أي تاريخ يتكلم
تاريخ الظلام أم تاريخ السديم
أم تاريخ الطلاب الذين يسألوا
عن سبب الكذب بالتعليم
!وأساطيرالبطولات بحكايا الجهلاء
***
وأخاف من مستقبلي كلما تذكرتُ أمسي
متوجعاً من حاضري بجهري وهمسي
أفخر بإحساسي مرة ياأمي
وأخجل أخرى بحسي
فأبني بحلمي أبراجاً عالية
وأنا مسرع نحو رمسي
!بحذاء متين وبدون حذاء
سمعتُ محارباً يغني في المساء
تحت عمود قديم للكهرباء
كان يقول: وعدتُ نفسي بصديق
في حرب خسرتُ بها كل الأصدقاء
قتلتُ وأمي أوصتني بعدم القتل
وصرختُ وأنا أتعارك مع الهواء
صرخة بلا صوت
***
لم يكن قرب المحارب إلا ظل باهت لعمود
وشجرة حُفرت عليها أسماء مع عهود
كان على وجهه أسف وحيرة
وتعب من الموجود وغير الموجود
وبين أصابعه ريشة مكسورة الطرف
يصرخ بها بأوتار على صدرعود
صرخة بلا صوت
***
فإقتربتُ منه وفي نفسي بعض الفضول
وشعور يتمزق بطلوع ونزول
وحين سألته عن نفسه قال: أنا أنت
وضاع صوته في تلال وسهول
بنظرة حاقد يفخر بشعوره
وصمت محب يصرخ بصوت خجول
صرخة بلا صوت
***
أنا ذلك المحارب وأنا المغني
أغني كل يوم وأنا لاأغني
أستحي بشعور فيه رحمة
وألجأ للعنف كي يخاف الأعداء مني
على كتفي بندقية إشتريتها من ممثل عجوز
كان يصرخ على مسرح الحلم والتمني
صرخة بلا صوت
***
أفخر بتواضعي وأحكي حكايا الغرور
وأهمس بأني عاشق وأدوس فوق الزهور
أسكن في بيت من تراب
وأقول أنه من نور
وفي عيني صورة حفار
يصرخ بجنون بين القبور
صرخة بلا صوت
***
أنا مريض يزداد مرضي كلما شفيت ُ
وطبيب أتسمم بالدواء كلما داويتُ
أرقص في عرس الموت بفرح
وأشعر بحزن كلما فرحت
في بيتي ببغاء أسرته في إحدى المعارك
يردد خلفي كلما صرخت
صرخة بلا صوت
بمن يستغيث الذي يغرق
والمنقذ غريب أحمق
لا يدري بما يجري حوله
كأصم لايسمع وكأعمى لا يفرق
فالمسلمون يذبحون الإسلام بسيفه
ومن خالفهم فهوالكافرالأخرق
في كل مكان
***
فبالأمس ُذبح ثلاثة رهبان
بسكين الجهل والهيجان
بلا ذنب ُذبحوا
فذنبهم أنهم إختلفوا بالإيمان
وسط تكبير وفرح الحضور
كعرس من أعراس الجان
وقلوب بلا حنان
***
فالرؤوس ُتقطع والدم ُيجبل بالتراب
آه... والكل يهلل لرؤية العذاب
فأين.. أين النور ذهب
وترك الأرواح تضيع بالضباب
فهل القتلة يعلمون مايفعلون
وهم يقومون بالذبح والخراب
وتضليل عقول الفتيان
***
فصديقي المسلم قال لي: هذا ليس بالإسلام
فالإسلام عدل ورحمة لاظلم وفعل حرام
ماالذي يجري إذاً سألته؟
ولماذا المسلمون يعاملون غيرهم معاملة أغنام
فإذا كان الله يكافىء على القتل
قلتُ له: أفضل من عبادته إذاً عبادة الأصنام
والحجر أكثرأمان
***
ففي قلبي حزن وجبل من الإستياء
وتساؤلات عن سبب سفك الدماء
فإن كان القاتل بالحرب يدعى بطل
فماذا يدعى بالسلم قاتل الأبرياء
لماذا الكره لمن لم يكن مسلماً
ولماذا تكفيره وإن كان من الأتقياء
أهي تعاليم القرآن
***
فالمصلون يصلون بالدموع
بين وقوف وجلوس وركوع
من طرد المحبة والرأفة من القلوب
يقولون بصمتهم: ومنعها من الرجوع
فالحيرة غزت العقول وشلتها
بصدى سؤال يطير بخشوع
أحلال ذبح الإنسان
همس ناي على رصيف الأيام
لفتى تعب من فراق السلام
ومن إنتظار طويل لأمل قديم
يأتيه على بساط الأحلام
إن نسيت بساطك يارفيقي
وتهت في عتمة الزحام
فلا تنسى همستي
***
وإن تبعثر شعورك بعواصف أبدية
وإنتابك خوف من هزات أزلية
فإنتظرت في محطة بلا مكان
مع قدماء جنود الحرية
بقلب يلعب لعبة الحزن والفرح
ويطوف حول بلورة سحرية
فلا تنسى قدرتي
***
فأمك التي علمتك فن الكلام والتهذيب
تشكو اليوم من صمت رهيب
وعروس البحر بين الأمواج تصرخ
أرى السفينة مع قبطان غريب
ومطرقة النجار تقول للمسمار بكل ضربة
ألمي مثل ألمك يارفيق التعذيب
فلا تنسى كلمتي
***
فأبوك علمك فن الراحة بالشقاء
وتجنب الجدل مع الأغبياء
وحذرك من مفتاح وهمي
يفتح لك أبواب الهناء
ومن قصر كبير من ملح
ُيهدم كلما إبتل بماء
فلا تنسى رقتي
***
فبهلوان أرضك يسعل سعال مسلول
وبطل العدو يتسابق مع طفل مشلول
وطبيب الإدمان مدمن على الخمر
والقلوب أحياناً أصدق من العقول
وحين يصفعك تعب النهار بالصعود
ويقبّلك في الليل نسيم النزول
فلا تنسى نغمتي
***
وعانق بالوقوع ألم وقعتك
عانقه قبل سكوت أغنيتك
وتأسف كلما مررت بجاهل
سخر من نور حكمتك
فإذا سرق سارق نوراً رافقك في الدرب
ولم تجد في الظلام إلا شبح دمعتك
فلا تنسى رفقتي
***
فذهب تعب الفتى وشعر بحنين
لحبيبة تركها خلف السنين
لكنه قبل أن يمسك يدها
أصطدم بخياله السجين
داخل بندقية تصرخ به
ليس لك غيري من معين
فلا تنسى صرختي